في كل عام، يترقب عدد لا يستهان به من الأشخاص تنبؤات أبراجهم وحظوظهم للسنة الجديدة، سواء بهدف التسلية لدى البعض واعتقادًا من البعض الآخر أنها ستخبرهم بمستقبلهم القادم، ما قد يخبئه لهم من حظوظ وعقبات. لا يخفى على أحد الانتشار الواسع الذي تتميز به مواضيع التنجيم أو ما يعرف بـ “الأبراج”، ما بين مؤيد لها، الذي قد يصل لدرجة الإيمان والتصديق الكامل، ومعارض.

معظم من يقرؤون مقالنا الآن قد اطلعوا على أبراجهم ولو لمرة واحدة سابقًا. في حال كنتم موافقين لوجود ما يسمى بالأبراج أو مخالفين لوجودها، نوضح لكم في مقالنا أبرز جوانب الأبراج، سبب ظهورها وحقيقتها ولماذا تعتبر علمًا زائفًا.

تاريخ ظهور الأبراج

بدأ الأمر في سالف العصور، إذ لم يفهم القدماء طريقة تحرك الأرض والشمس والنجوم تمامًا، ولم تكن لديهم أدنى فكرة عن مدى اتساع الكون. لذا عملوا على مراقبة السماء وحاولوا جاهدين فهمها بحثًا عن إجابات مقنعة لأسئلتهم الكونية.

عاش البابليون منذ أكثر من 3,000 سنة، إذ كانوا أول المهتمين بدراسة الفلك والكواكب والنجوم وحركاتها، واعتبروا الأبراج مقياسًا لزمن الشمس السماوي وتحركاتها خلال العام. أسسوا ما يُعرف بدائرة الأبراج وقسموها إلى 12 جزء متساو واختاروا 12 كوكبة موجودة ضمن هذه الدائرة، كوكب واحد لكل جزء. بالتالي، عند دوران الأرض حول الشمس، تمر الشمس عبر كل جزء من أجزاء الأبراج الاثني عشر. نظرًا لامتلاك البابليين مسبقًا تقويمًا مدته 12 شهر (بناءً على مراحل القمر)، فقد عملوا أيضًا على موافقة كل شهر قمري مع جزء من دائرة الأبراج.

مع ذلك، ورد مؤخرًا في قصص البابليين القديمة وجود 13 برج في دائرة الأبراج وليس 12، ما اضطرهم إلى اختيار واحد للتخلص منه والإبقاء على العدد 12. عندما اخترع البابليون لأول مرة علامات الأبراج الاثني عشر، رمز المولد بين 23 يوليو و22 أغسطس إلى برج الأسد، الأمر الذي تغير بعد 3,000 سنة نتيجة تغير السماء وعدم ثبات القطب الشمالي او محور الأرض.

التنجيم وعلاقته بعلم الفلك

حقيقةً، بدأ التنجيم وعلم الفلك من أصول واحدة قديمًا، في محاولة لفهم المجهول ودراسة النجوم والكواكب والسماء. لكن مع تقدم العلوم وبدء الدراسات والاستناد إلى أسس حقيقية ملموسة، أصبح علم الفلك Astronomy من أهم مجالات الدراسة العلمية لكل ما يخص الكواكب والمجرات والفضاء اعتمادًا على البحث والمراقبة، محرزًا تقدمًا هائًلا في مختلف المجالات. على الجانب الآخر، استمر علم التنجيم Astrology بالاعتقاد أن مواقع النجوم والكواكب تؤثر على حياتنا وعلى أحداث الأرض المختلفة محاولًا التنبؤ بالمستقبل بدون أي إثبات أو دليل علمي صريح.

التنجيم علم زائف، لماذا

تستند الفكرة من علم التنجيم على أن النجوم والكواكب لها بعض التأثير على الشؤون البشرية والأحداث الأرضية. والأبراج هي تنبؤ المنجم عن حياة الشخص بناءً على المواقع النسبية للنجوم والكواكب. وقد رفض المجتمع العلمي علم التنجيم، إذ أنه ليس هنالك قوة تفسيرية لوصف الكون. فلم يعثر التقييم العلمي لعلم التنجيم على أي دليل لدعم الآثار المزعومة المذكورة في التقاليد الفلكية.  بعض الأسباب والتساؤلات ضد علم الأبراج:

  1. قد يكون البعد بين النجوم في كوكبة ما آلاف السنين الضوئية إلى جانب عشوائية الاتصال بينها.
  2. يمتلك الطبيب المسؤول عن ولادتك في تلك اللحظة جاذبية عليك أكثر من أي كوكب أو نجم في الكون.
  3. ظهرت الأبراج منذ أكثر من 2,000 عام. منذ ذلك الحين، لم تتغير التواريخ التقليدية لكل برج رغم تغير مواقع النجوم على مر هذه السنوات.
  4. محاذاة كوكب الولادة غير مجدية لأن وقت الولادة غالبًا ما يتم اختياره بشكل تعسفي (أي قد يحصل الطبيب / الممرضون على الساعة بشكل صحيح، ولكن ليس بالضرورة الدقائق).
  5. إذا كانت الكواكب تؤثر علينا من الناحية الفلكية، فلماذا يكون هذا التأثير مستقلاً عن المسافة؟ يقع المريخ في بعض الأحيان على الجانب الآخر من الشمس منا وأحيانًا يكون في نفس الجانب مثلنا، لكن هذا الاختلاف ليس له تأثير فلكي علينا.
  6. إذا كانت المسافات غير مهمة في علم الأبراج، إذًا أين علم الأبراج المعني بالمجرات والثقوب السوداء؟

لماذا يتجه المزيد من الأشخاص إلى الإيمان بصحة الأبراج

على الرغم من كل ما سبق، وكمية الدلائل العلمية التي تنفي صحة ادعاءات المنجمين، فما السبب الكامن وراء انسياق الناس خلفها؟ تلعب العديد من العوامل النفسية والأسباب دورًا في تفسير هذا الاعتقاد:

  • رغبة الناس بمعرفة أنفسهم بشكل أكبر والشعور بالسيطرة في عالم لا يمكن التنبؤ به حتى لو كانت هذه السيطرة وهمًا.
  • نقص الثقافة والاطلاع في هذا المجال وانعدامها في بعض الأحيان، يطلع غالبية مُتابعي الأبراج على طالعهم ومستقبلهم بشكل أعمى دون الرجوع إلى أي مصدر أو فهم لكيفية عملها.
  • أولئك الذين يؤمنون بالتنجيم يعتبرون منجميهم خبراء يجب أن تؤخذ تصريحاتهم على محمل الجد.
  • يعطي شعورًا بالانتماء لدى البعض  إذ يسقطون صفات أبراجهم على حياتهم الواقعية واليومية ويشاركونها مع عائلتهم وأصدقائهم ما يضفي مزيدًا من الحماس عليها.

نهايًة، حتى لو تصادف التنجيم مع علم الفلك في بعض الأمور إلا أنه بعيد كل البعد عن كونه علمًا حقيقيًا. نتمنى أن نكون قد أجبنا على معظم استفساراتكم وتساؤلاتكم حول هذا الموضوع.