كان يا مكان في قديم الزمان، كان حجا جالساً مع جماعة من الناس وقد ذكر أنه كان غزير الشعر، فسأله أحدهم مازحاً: كم عدد شعرات رأسك يا جحا؟ فأجابه جحا واثقاً: عددها واحد وخمسون ألفاً وأربعمئة وخمسون شعرة. أجاب السائل مستغرباً: وما أدراك أن هذا عددها؟ أجاب جحا: إن لم تصدقني، تفضل وعدها بنفسك.
هنا ألقى جحا عبء إثبات صحة عدد شعرات رأسه على السائل وأزاله عن نفسه وهذا مثال عن إحدى أشهر المغالطات المنطقية وهي مغالة الاحتكام للجهل Appeal to Ignorance.

 مغالطة الاحتكام بالجهل Appeal to Ignorance

   تستند هذه المغالطة – والتي تسمى أيضاً مغالطة التوسل بالمجهول أو مغالطة عبء الإثبات- إلى كون شيء ما صحيح في حال عدم وجود إثبات أو دليل أنه خاطئ والعكس صحيح، أي أن نجزم أن الشيء خاطئ في حال عدم وجود دليل على صحته. وهنا في كلتا الحالتين فإن “غياب الدليل” يكون هو “الدليل” وكذلك تحدث هذه المغالطة في حال عدم قدرة الطرف الآخر على دحض الدعوى أو الكلام، إذاً فإن هذا الكلام صحيح بالضرورة.

من الأمثلة عن هذه المغالطة:
عدم وجود دليل على وجود الأشباح، فإذاً هي غير موجودة.
لا نستطيع إثبات عدم وجود كائنات فضائية، فإذاً هي موجودة.

من أشهر الأمثلة عن هذه المغالطة هي تحقيقات السيناتور جوزيف مكارثي Joseph R. McCarthy في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي. حيث اتهم أثناء سلسة من جلسات الاستماع التلفزيونية، عدداً كبيراً من الأشخاص الأبرياء بتهمة الشيوعية، بالرغم من أن تلك الاتهامات أو الادعاءات لم تكن مستندة على أدلة حقيقة وكانت بالغة الضرر والإيذاء، لكن تم اتهام هؤلاء الأشخاص بحجة ألا يوجد في ملفات مكارثي ما يدحض هذا الاتهام وما يدحض ميولهم للشيوعية!! وقد قال مكارثي نفسه عن واحدة من تلك الحالات أثناء اجتماع لمجلس الشيوخ عام 1950: “ليس لديَّ معلوماتٌ وفيرةٌ في هذا الشأن عدا ما ورد في التقرير العام للوكالة من أنه لا يوجد في الملفات ما يثبت أنه غير متصلٍ بجهاتٍ شيوعية”.

هنا نقل مكارثي عبء إثبات الدليل Burden of Proof، فبدلاً من أن يثبت بالأدلة أن هؤلاء الأشخاص متورطون بالشيوعية، فقد استند على حجته بعدم وجود أدلة تنقض هذه الاتهامات.

الانغلاق الإبستيمي Epistemic Closure

يختلف الاحتكام بالجهل عما يسمى الانغلاق الإبستيمي Epistemic Closure: والذي يعرف بكون عند غياب شيء ما فهو كاذب، إذ لو كان هذا الشيء  صادقاً لكان موجوداً.
مثال على ذلك: في حال عدم ورود اسم طالب ما “س” في قائمة الناجحين بالامتحان، إذاً فهو راسب، إذ لو كان ناجحاً لورد اسمه في القائمة.

الاستدلال بالقرينة Presumption

نحن كبشر لا نتوقف عن الاستدلال في حياتنا العملية، على الرغم من كون هذه الاستدلالات تتفاوت بدرجات اليقين وقد تكون حداً وسطاً بين اليقين وبين الافتراض وهذا ما يعرف بالاستدلال بالقرينة Presumption: وهذا النوع من الاستدلالات يتيح لنا استخلاص حدث ما من واقعة معينة ويكون هذا الستنباط مبدئياً وقابلاً للدحض، ومستنداً إلى مفهوم عبء البينة أي ينقل عبء الإثبات للطرف الآخر. كمثال على ذلك: أن الدواء المجرب والذي أثبت أنه غير سام على الفئران، يكون آمناً مبدئياً على الإنسان ما لم يثبت عكس ذلك بالدليل، أن هنا نفترض وجود قوة قائمة له ما لم يتم نقضه بقوة أعلى.
من أشهر الأمثلة على ذلك في القضايا الجنائية أن “المتهم بريء ما لم تثبت إدانته” أي هنا المتهم بقضية يبقى بريئاً حتى وجود دليل يثبت عكس ذلك. وهنا تم استخدام هذا المبدأ لحماية الناس الأبرياء من الأحكام الجائرة الظالمة.
كمثال آخر عن الاستدلال بالقرينة: غياب شخص لمدة سبع سنوات دون معرفة عنه أي شيء ودون أي تفسير يضعه في عداد المتوفين -حتى في حال عدم وجود الجثة- ما لم يثبت عكس ذلك بالدليل.

أخيراً وكما قال العرب القدماء فإن “البينة على من ادعى” أي أن صاحب الادعاء هو الذي يكون مطالباً بتقديم الدليل على صحة ادعائه وليس الطرف الآخر من يقع عليه عبء الدفاع وإثبات العكس.