تخيل أنك جالس أمام شاشة التلفاز وتتنقل من محطة لأخرى بملل، وإذ تلفت انتباهك محاكمة لجريمة قتل منقولة على الهواء مباشرة، وعندها تجلس متسمراً منتظراً ما ستؤول إليه هذه المحاكمة. يقول محامي الدفاع عن المتهم: موكلي بريء من دون أدنى مجال للشك… أن حجة غيابه قوية، فقد ظهر على شاشات المراقبة في وقت حدوث الجريمة وكذلك يوجد شهود يؤكدون تواجده في مكان مختلف… فكيف له أن يأمر بتنفيذ هذه الجريمة؟ هذا غير معقول؟
هنا تقول في نفسك: ما هذا المحامي! إنه جيد في عمله فقد أحضر كل هذه الأدلة وبالتأكيد فهو على حق وهذا المسكين لا يمكن أن يكون هو المجرم.
انتظر يا صديقي ولا تقع ضحية ما يسمى مغالطة تجاهل المطلوب Irrelevant Conclusion.
هنا صحيح أن هذا المتهم لم يكن متواجداً في مكان حدوث الجريمة في وقت حدوثها، لكن هذا لا يعني أنه لم يأمر بفعلها أو لم يكلف أحداً آخر بفعلها نيابةً عنه لكي تكون له حجة غياب قوية وهكذا ينجو من العقاب.
ومن جهة أخرى في محاكمة أخرى، يقوم محامي الادعاء بالتركيز على بشاعة وفظاعة الجريمة لكسب استعطاف لجنة المحلفين والقاضي، مع عدم التركيز على تقديم أدلة مادية تثبت إدانة المتهم.
كمثال آخر أن هناك دراسات موثقة عن أضرار ممارسة رياضة الجري بالشوارع ولكن هذا لا يعني إلغاءها أو حظرها بالكامل بل هذا يعد سبباً لمنعها بالنسبة لفئة معينة من الناس أو في أماكن وأوقات معينة ولكن ليس للجميع.
كذلك يسيء كثير من الناس استخدام الإنترنت ولكن هذا ليس سبباً مقنعاً لمنعه بالكامل بل يجب أن يتم توجيه وتوعية الناس وخصوصاً الشباب لاستخدامه بشكل صحيح ومفيد وذلك لضرورته في حياتنا اليومية في هذا العصر.
كل هذه الأمثلة وغيرها هي أمثلة عن مغالطة تجاهل المطلوب
Irrelevant conclusion.

إذاً ما هي مغالطة تجاهل المطلوب Irrelevant conclusion?

وكذلك تسمى الحيد عن المسألة Missing the Point.
وهي واحدة من أشهر المغالطات المنطقية وهنا يتم تجاهل الموضوع الذي يجب إثباته ويتم إثبات موضوع آخر مع إمكانية تقديم أدلة وبراهين واستدلالات منطقية ومعقولة وصحيحة ولكن للموضوع الثاني وليس للأول وهذا يؤدي إلى نتيجة أخرى غير المرادة أي هنا تخرج الحجة عن الهدف المحدد لها وتتجه مباشرة لنتيجة أخرى.
تتمتع هذه الحجة الخاطئة بجاذبية خفية إذ يتم إثبات نتيجتها على نحو صحيح ومنطقي وهو ما يصرف انتباه المستمعين بعيداً عن المغالطة ويتم تجاهل الموضوع الأصلي.
تختلف مغالطة تجاهل المطلوب عن مغالطة الرنجة الحمراء التي تكلمنا عنها في المقال السابق وذلك أن في مغالطة الرنجة الحمراء يتم تحويل وحرف الحجة عن مسارها إلى موضوع آخر لافت لا علاقة له بالموضوع الأصلي أو تضليل وتمويه وتعتيم الحجة ولكن في كلتا الحالتين لا يتم الوصول إلى شيء، في حين هنا في مغالطة تجاهل المطلوب يتم تجاهل الحجة المراد إثباتها ويتم إثبات شيء آخر أي يتم الوصول إلى نتيجة ولكنها غير النتيجة المطلوبة.