أن يتمكن عمل سينمائي ما من أن يجذب انتباه متابعيه من خلال الحوارات وتحركات شفاه الممثلين فقط ليس بالأمر السهل، فكيف يمكن لنا الاستمرار بمتابعة فلمٍ ما قد تزيد مدته على الساعتين ولا تخرج مشاهده عن طاولة عشاء يجتمع عليها مجموعة من الأصدقاء ويتناوبون على شراع الحوار بينهم.
هذا النوع من الأعمال السينمائية والذي قد لا يفضله البعض، قد يكون لآخرين بما فيهم محدثكم هذا بمثابة الشغف الحقيقي في عالم السينما، وكأن المخرج أثناء إعداده للفلم كان قد أضاف إليه خلطة سحرية لجذب انتباه المشاهدين، صحيح أنها لم تنجح مع البعض ولكنها فعلت فعلها المضاعف مع القسم الآخر.
إليكم خمسة أفلام دراما من هذا النوع يكاد يلعب الحوار فيها دور البطل والقائد وكل شيء في العمل الفني.
Perfect Strangers
IMDB 7.8/10
نبدأ قائمتنا مع التحفة الفنية الرائعة هذه من إيطاليا، مجموعة من الأصدقاء القدامى يجتمعون في منزل أحدهم على طاولة العشاء ويتبادلون الحوار، خلال ذلك تقترح الزوجة المضيفة لعبة مفادها مشاركة كل ما يصل إلى هواتفهم من رسائل ومكالمات فيما بينهم، لتبدأ سلسلة من الأسرار تطفو على السطح وتتطور الأحداث من جراء ذلك بطريقة درامية مشوقة.
رغم أن الحبكة تقتصر على اجتماع العشاء وتلك اللعبة، والمشاهد لا تخرج عن طاولة المائدة، ولكني أراهن بأنها ستنطبع في ذاكرتك لفترة طويلة ليست بالهينة. سيعود بك الفلم إلى واقعنا الحالي وكيف غدت هواتفنا مخزن لكل أسرارنا، ويتسأل ماذا لو انكشف هذا المخزن أمام الآخرين وليس أي آخرين بل أمام أقرب الناس إلينا… كيف ستبدو عليه حياتنا وقتها؟
الفلم كان قد صدر عام 2016 وحاز على 16 جائزة منها جائزة أفضل سيناريو في مهرجان القاهرة الدولي للأفلام، وجائزة المشاهدين في مهرجان النرويج السينمائي وغيرها.
“جميعنا قابلون للكسر.. وبعضنا أكثر من الآخر”
The End of the Tour
IMDB 7.3/10
عن الكاتب والروائي الأمريكي ديفيد والاس الذي كتب رواية “Infinite Jest” وصنفت كواحدة من أفضل مئة رواية إنكليزية (ومع ذلك لم اسمع بها إلا عندما شاهدت الفلم)، الفلم يروي قصة المقابلة الصحفية ذات الخمسة أيام والتي تمت مع الكاتب عام 1996 إبان روايته الشهيرة تلك.
تجري أحداث المقابلة الطويلة في الطرقات وأثناء سفر الكاتب، ويدور الحوار بين الشخصيتين الشبه وحيدتين في الفلم، لنتعرف خلال ذلك على أسلوب حياة الكاتب آنذاك وكيف يحاول الصحفي الوصول إلى أعمق نقطة في ذات الكاتب ليكشف عن أكبر قدر ممكن من الجانب المخفي لشخصيته، فيعود الكاتب بحنكته ليعكس ذلك على الصحفي. لاقى الفلم فور صدوره عام 2015 مديح معظم الفئات من الأوساط السينمائية المختلفة من متابعين وكتاب ونقاد سينمائيين، وحصل على أربعة جوائز.
“يعتقد ديفيد إن الكتب وجدت لتقلل شعورنا بالوحدة”
The Man from the Earth
IMDB 8/10
“رجل من الأرض” رغم إن اسم الفلم يوحي بشيء له علاقة برحلة فضائية مثلًا أو شيء من هذا القبيل ولكن لا يحتوي الفلم على أي من هذا صدقني، بل تقتصر كل مشاهده على مجموعة من الأصدقاء التقوا لوداع أحد أصدقائهم الراحل بعيدًا، ولكن هذا الصديق وعندما يخبرهم بسبب رحيله الغريب والمفاجئ تبدأ تعلو أصوات الحوار ويبدأ الجدال والأخذ والرد بين الأصدقاء الذين يشغلون مناصب أكاديمية رفيعة.
يمكن تشبيه الحوار في هذا الفلم بأحجية أو لغز أو معضلة ما ويحاول كل منهم (أي الحضور) فك طلاسمه والإمساك بطرف الخيط، ولكن الأمور تتعقد أكثر فأكثر حتى على المشاهد نفسه الذي ينتابه إحساس وكأنه ترك واقعه ومحيطه وانضم إليهم. الفلم من إصدار عام 2007 وكان قد حصل على 5 جوائز منها جائزة “زحل” التي تقدمها أكاديمية الخيال العلمي في أمريكا.
“التاريخ يكره الفراغ.. لذلك يخلق الناس قصصًا واقعية ليملئون تلك الفترات الناقصة منه”
Good Will Hunting
IMDB 8.3/10
من الأفلام القديمة بعض الشيء (صدر في 1997) ويحظى بالتقييم الأعلى على IMDB من بين الأفلام التي ذكرناها. يتناول الفلم قصة شاب عبقري بإمكانه حل أية معضلة تصادفه، ولكنه يعمل كبواب في أحد المعاهد العلمية، ويعاني من بعض المشاكل النفسية.
القيمة الفنية في هذا العمل ليست بالحبكة الدرامية، رغم أني لا أقلل من روعتها هنا، وإنما في الحوارات التي تجري بين شخصيات بالكاد تعرفت لبعضها، وكيف تكشف لنا هذه الحوارات شيئًا فشيء مزيد عن خبايا كل شخصية. أما الشيء الأهم برأيي والذي أراد طاقم العمل إظهاره لنا من خلال عملهم هذا وظهر بطريقة غير مباشرة، هو إننا نحن في الغالب من نمنع أنفسنا من التقدم في الحياة جراء تحملنا مسؤولية أخطاء في الأصل هي ليست أخطاءنا.
“الخسارة الحقيقية هي عندما تتعلق بشيء ما وتحبه أكثر مما تحب نفسك”
Before Sunrise
IMDB 8.1/10
أول ما صدر هذا الفلم عام 1995 ثم تبع بجزء ثاني Before Sunset عام 2004 ثم الجزء الثالث والأخير Before Midnight عام 2013، رغم الفارق الزمني الطويل إلى حد ما بين كل جزء والآخر إلا أنها تشترك الأجزاء الثلاثة بأنها أفلام دراما رومانسية بعض الشيء وتعتمد على الحوار بشكل رئيسي، وذات النجاح الذي لاقاه العمل الأول من السلسلة عام 1995 لاقاه العمل الأخير الذي صدر بعد نحو 18 عام.
أحد النقاد السينمائيين كتب في الواشنطن بوست عن الفلم الأول من الثلاثية يقول: “صحيح إن الفلم ليس ذو إمكانيات ضخمة أو فكرة عظيمة ولكنه قدم قصة راقية تختلف عن قصص الحب المبتذلة التي نراها عادةً في الأفلام.. وأكثر من ذلك فإن هذا العمل أظهر الشباب كأشخاص حقيقيين”
“في البداية نعتقد بأنه سيكون في حياتنا الكثير من الأشخاص لنتواصل معهم ونبقى بقربهم .. ولكن نكتشف لاحقًا بأن ذلك لا يحصل إلا مرات قليلة جدًا”
وأنت عزيزي القارئ أخبرنا برأيك عن هذا النوع من الأفلام .. وهل يمكن للحوار أن يجذب انتباهك أكثر من العناصر الأخرى في العمل السينمائي؟