“كوكب اليابان ، تكنولوجيا اليابان ” نسمع الكثير من هذا الكلام الذي يثني على مدى تطور دولة اليابان ومدى تقدمها سواء أقتصادياً أو تكنولوجياً أو تعليمياً بالإضافة إلى العديد من المجالات الأخرى حيث أن المكانة التي تحتلها البلاد حالياً يمكن وصفها ” بالمعجزة”
فلو عدنا لتاريخ البلاد وبالتحديد في عام 1945 حين تم إسقاط القنبلتان النوويتان على مدينتي “هيروشيما وناغازاكي” وما خلفته على البلاد من ضحايا بمئات الآلاف واقتصاد معدم وبلاد مدمرة بالكامل تحتاج لمئات السنين للعودة لشكلها الطبيعي ونرى حالياً وضع البلاد والمكانة التي تحتلها فإنها بالفعل “معجزة” بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
و بكلامنا عن نهضة البلاد فقد مرت بسنوات من النهضة الاقتصادية بعد الفاجعة التي حلت بها والتي أثمرت عن عودة البلاد لوضعها الطبيعي وأفضل من قبل وبرز في تلك الفترة رائد أعمال لعب دوراً مساعداً في نهضة البلاد اقتصادياً ونعني بذلك “كونوسوكي ماتسوشيتا ” مؤسس شركة باناسونيك.
يعد ” كونوسوكي ماتسوشيتا ” واحداً من أعظم الصناعيين اليابانيين والذي قاده طموحه وكفاحه لتأسيس امبراطورية باناسونيك فلو نعلم كيف كانت بدايته والصعوبات التي واجهها نجد أن الطموح لا حدود لها.
بدايات “كونوسوكي ماتسوشيتا ” ؟؟
ولد ضمن عائلة ثرية تعيش في مدينة واكاياما اليابانية كانت أحوالها جيدة إلى أن عصفت بالعائلة أزمة مالية تفقدها كل شيء وتدهور أحوالهم ويصل بهم الحال إلى الفقر بظروف سيئة للغاية مما أجبر “ماتسوشيتا” على ترك الدراسة في سن صغيرة والعمل من أجل مساعدة عائلته فقد عمل بالعديد من المهن المتواضعة مقابل مادي بخس للغاية.
بداية الطريق …
بعد أن شاق ودار في عديد من المهن ، يتقدم للعمل ضمن شركة ” أوساكا الكتريك لايت ” والتي يمكن اعتبار هذه الخطوة بداية طريق طموحه فقد كانت الكهرباء وقتها منتشرة حديثاً في اليابان فجذبه الأمر لاكتشافها والتوسع بها فبدأ رويداً رويداً في كسب الخبرة والتعلم بكل ما يتعلق في مجال الكهرباء حيث أنه كانت بدايته بالشركة مساعداً في توصيل الأسلاك الكهربائية ونتيجة شغفه وتفانيه في العمل فقد تم ترقيته عدة ترقيات ليصبح المشرف العام.
لكن فيما بعد يقرر تقديم أستقالته من الشركة والسبب بكل بساطة لأنها تقف ضد طموحه فكلما حاول تقديم أفكار جديدة ومبتكرة بما يتعلق بمجال الكهربائيات قوبلت بالرفض من قبل مدرائه وهنا جاءت فكرة تأسيس شركته الخاصة تحت إسم “ماتسوشيتا للأدوات المنزلية الكهربائية ” والتي أصبحت فيما بعد شركة ” باناسونيك “
شركة ماتسوشيتا
أن تكون صاحب أعلى منصب تقني في الشركة ثم تقوم بالتنازل عن وظيفتك من أجل تأسيس شركتك الخاصة فهذه تعتبر خطوة جريئة محفوفة بالمخاطر والصعوبات وهذا ما واجهه ” ماتسوشيتا ” بالبدايات حيث كان مقر شركته عبارة عن منزل صغير من دون موظفين فقد بدأت الشركة ضمن نطاق عائلي هم ماتسوشيتا و زوجته وزوج أخته.
إضافة إلى ذلك أنه واجه صعوبة في تسويق منتجه (والذي اعتمد في البداية على تصنيع المأخذ والمقابس الكهربائية ) فلم يكن أي تاجر على استعداد للشراء منه فظل يكافح لشهور من أجل ذلك وقد كان قريب من الإفلاس حتى أنه بات يفكر في العودة لعمله القديم مقتنعاً بفكرة مديره.
إلا أنه في أحد الأيام وبعد طول أنتظار يحصل على أول طلبية له وهنا كانت بداية نجاحه ليبدأ فيما بعد عام بعد عام بالتوسع أكثر وليقوم بتأسيس أول مقر رسمي ومصنع للشركة ويعمل على تطوير منتجاتها وتنوعها ومن أبرزها مصباح الدراجة والذي كان على شكل رصاصة فقد اعتبر وقتها بأنه منتجاً ثورياً حيث لاقى نجاحاً واسعاً وأستحساناً في الأسواق اليابانية ليسفر عن زيادة في المبيعات ثم يقوم فيما بعد بإنشاء العلامة التجارية “ناشيونال” والتي باتت معروفة جداً في اليابان
كما أنه اسفر نجاح شركته عن وضع أهداف جديدة تشمل تغير في نوعية منتجاتها لتصبح من صناعة الأدوات المنزلية الكهربائية إلى الصناعات الكهربائية كنوع من التوسع لتشمل أجهزة الراديو والتلفاز والبث اللاسلكي والعديد من الصناعات الأخرى.
ماتسوشيتا خلال الحرب العالمية الثانية
فقد ذكرنا في البداية أن “ماتسوشيتا” قد لعب دوراً مساعداً في نهضة البلاد أقتصادياً بعد انتهاء الحرب لكن أيضاً علينا أن نذكر أنه لعب دوراً يمكن أعتباره أيجابياً خلال فترة الحرب فقد كانت البلاد وقتها تشهد تراجع اقتصادي حاد وانخفاض في المبيعات نتيجة القيود التي تم وضعها على الإنتاج المدني والذي أسفر عن تسريح العديد من الموظفين إلا أن “ماتسوشيتا” أتخذ قرار بعدم تسريح الموظفين حيث أتخذ قرار مصيري من أجل الشركة والذي أثمر بشكل رئيسي عن بقاء شركته واستمرارها.
أما في فترة بعد أنتهاء الحرب فقد أستدعى ماتسوشيتا رؤساء الشركة التنفيذيين فور معرفة خبر أنتهاء الحرب وقرر حشد كل الموظفين من أجل تنشيط العمل حيث استأنفت الشركة لبدء الإنتاج للإستخدام المدني إلا أنها رغم ذلك واجهت خطر التصفية وتم تجميد كل أصولها وقاوم “ماتسوشيتا” بكل قوة من أجل الشركة ونجح أخيرا وتم رفع كل القيود عنها و لتنطلق الشركة على مدار السنوات وتساهم بالنمو الاقتصادي للبلاد وتصبح واحدة من أكبر الشركات ليس فقط على مستوى اليابان فحسب وإنما على مستوى العالم.
وبالنهاية عندما نرى كيف كانت حياة “ماتسوشيتا” بالبداية وكيف بادر بالخطوة الأولى لإنشاء شركته الخاصة والمكانة التي باتت تحتلها شركته بعد ذلك نعلم بكل بساطة أن الطموح لا يقف عند صعوبات أو أعذار حيث أن الطموح لا حدود له.