أصبح للأبحاث التجريبية اليوم أهمية كبيرة ، وخاصةً أن السر في إقناع معظم الناس بأي حقيقة، أصبح بتقديم براهين وأدلة علمية على شكل بيانات معالجة يمكنهم رؤيتها أو سماعها أو تجربتها، حيث أصبح يستخدم المنهج التجريبي للتحقق من صحة فرضيات متعددة، وزيادة المعرفة البشرية والاستمرار بذلك لمواصلة التقدم في مختلف المجالات العلمية والعملية.
تعريف المنهج التجريبي للبحث
يعرف البحث التجريبي على أنه أي بحثٍ يتم فيه استخلاص استنتاجات الدراسة بدقة، وذلك انطلاقاً من أدلة تجريبية ملموسة يمكن التحقق منها، وعادةً ما يتم جمع هذه الأدلة التجريبية باستخدام الأبحاث الكمية، وأساليب البحث النوعي
كما وتشير كلمة (التجريبي) إلى جمع البيانات باستخدام الأدلة التي تمّ جمعها من خلال الملاحظة أو الخبرة أو باستخدام أدوات علمية معايرة، حيث يعقب ذلك اختبار البيانات للتوصل إلى استنتاجات تثبت صحة فرضية ما أو تنقضها.
أنواع منهجيات البحث التجريبي
يمكن إجراء البحوث التجريبية وتحليلها باستخدام الأساليب الكمية أو النوعية، ويختلف نوع التصميم أو الأسلوب المستخدم وذلك اعتماداً على المجال الذي سيتم استخدامه فيه، وقد يختار الكثير من الباحثين إجراء بحث جماعي يتضمن الطريقة الكمية والنوعية معاً للإجابة بشكل أفضل على الأسئلة التي لا يمكن دراستها في بيئة مخبرية
1- البحث الكمي Quantitative Research: تستخدم طرق البحث الكمي لجمع المعلومات من خلال البيانات العددية، يتم استخدامه لقياس الآراء والسلوكيات أو المتغيرات المحددة الأخرى، وهي بيانات محددة مسبقاً وذات تنسيق أكثر تنظيماً.
ومن بعض الطرق شائعة الاستخدام في هذا المنهج: المسح، الدراسات الطولية، استطلاعات الرأي وما إلى ذلك.
2- البحث النوعي Qualitative Research: تستخدم طرق البحث النوعي لجمع البيانات غير العددية، يتم استخدامه للعثور على الآراء أو الأسباب الكامنة حول موضوع البحث
طرق البحث الكمي
تساعد طرق البحث الكمي في تحليل الأدلة التجريبية التي جمعها الباحث والتي يمكنه من خلالها معرفة ما إذا كانت الفرضية مدعومة أم لا
· البحث الاستقصائيSurvey Research: يتضمن البحث الاستقصائي عموماً عدد عينات كبير لجمع كمية كبيرة من البيانات، هذه طريقة كمية تحتوي على مجموعة محددة مسبقاً من الأسئلة المغلقة التي يسهل الإجابة عليها، بسبب هذه الطريقة يمكن تحقيق استجابات عالية، وهي إحدى الطرق الأكثر استخداماً لجميع أنواع البحوث في العالم اليوم
· البحث التجريبيExperimental Research: في البحث التجريبي يتم إعداد تجربة واختبار الفرضية عن طريق خلق موقف يتم فيه التلاعب بإحدى المتغيرات. يستخدم هذا أيضاً للتحقق من السبب والنتيجة، يتم اختباره لمعرفة ما يحدث للمتغير المستقل في حالة إزالة المتغير الآخر أو تغييره. عادةً ما تقترح هذه الطريقة من البحث وضع فرضية وتجريبها، وتحليل النتائج لفهم ما إذا كانت تدعم النظرية أم لا.
· البحث الترابطي Correlation Research: يستخدم لإيجاد علاقة بين مجموعتين من المتغيرات، يستخدم الانحدار بشكل عام للتنبؤ، وبمثل هذه الطريقة يمكن أن يكون الارتباط سلبياً أو إيجابياً أو محايداً.
· الدراسة الطولية Longitudinal Study : تستخدم الدراسة الطولية لفهم سمات أو سلوك موضوع تحت الملاحظة، بعد اختبار الموضوع بشكل متكرر على مدى فترة زمنية، يمكن أن تكون البيانات التي تم جمعها من هذه الطريقة نوعية أو كمية بطبيعتها.
· الدراسة الخلطية Cross Sectional : هي نوع من طريقة المراقبة، حيث يتم ملاحظة مجموعة من العينات في نقطة زمنية معينة، هذا النوع لا يمكّن الباحث من إقامة علاقة سبب ونتيجة، لأنه لا يتم ملاحظته لفترة زمنية متصلة، يتم استخدامه بشكل رئيسي من قبل قطاع الرعاية الصحية أو قطاع البيع بالتجزئة.
· البحث السببي المقارن Causal-Comparative Research : تعتمد هذه الطريقة على المقارنة، يتم استخدامه بشكل أساسي لاكتشاف علاقة السبب والنتيجة بين متغيرين أو حتى بين متغيرات متعددة.
طرق البحث النوعي
تحتاج بعض الأسئلة البحثية إلى التحليل النوعي، حيث أن الأساليب الكمية غير قابلة للتطبيق في بعض الحالات.
ففي كثير من الحالات تكون هناك حاجة إلى معلومات متعمقة أو قد يحتاج الباحث إلى مراقبة سلوك العينات المستهدفة، ومن ثم تكون النتائج المطلوبة بشكل وصفي، عادةٍ ما تكون نتائج البحث النوعي وصفية وليست تنبؤية، تمكن الباحث من بناء أو دعم النظريات للبحث الكمي المحتمل في المستقبل، حيث تستخدم طرق البحث النوعي لاستخلاص نتيجة، لدعم النظرية أو الفرضية قيد الدراسة.
· دراسة الحالة Case Study: تستخدم هذه الطريقة للعثور على مزيد من المعلومات من خلال التحليل الدقيق للحالات الموجودة، غالباً ما يتم استخدامه لأبحاث الأعمال أو لجمع الأدلة التجريبية لغرض التحقيق.
· طريقة المراقبة Observational Method : هي عملية مراقبة وجمع البيانات، نظراً لأنها طريقة نوعية، فهي تستغرق وقتاً طويلاً وذات طابع شخصي للغاية، يمكن القول أن طريقة المراقبة هي جزء من البحث الإثنوغرافي الذي يستخدم أيضاً لجمع الأدلة التجريبية، عادة ما يكون هذا شكلاً نوعياً، ولكن في بعض الحالات يمكن أن يكون كمياً أيضاً اعتماداً على ما تم دراسته
· مقابلة فردية One-on-one Interview: هذه الطريقة نوعية بحتة، وإحدى أكثر الطرق استخداماً، والسبب هو أنه يتيح للباحث الحصول على بيانات دقيقة وذات مغزى إذا تم طرح الأسئلة الصحيحة. حيث يمكن من خلال هذه الطريقة جمع بيانات متعمقة.
· مجموعات التركيز Focus group: يلجأ الباحث للمجموعات المركزة عندما يرغب في العثور على إجابات عن أسئلة لماذا؟ ماذا؟ كيف؟، تستخدم هذه الطريقة عادة من قبل الشركات الكبرى، حيث تعمل على جمع البيانات حول علاماتها التجارية والمنتج
· تحليل النص Text Analysis: وهي طريقة جديدة مقارنةً مع الطرائق الأخرى، تستخدم لتحليل الحياة الاجتماعية من خلال استعراض الصور أو الكلمات التي يستخدمها الفرد، وخاصة اليوم، حيث تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في حياة الفرد.
مزايا البحث التجريبي
هناك عدة أسباب تجعل البحث التجريبي من أكثر الطرق استخداماً، وهنا أدناه بعض المزايا المرتبطة به:
1- تجعل منهجية البحث الذي يتم إجراؤه أكثر كفاءة وأصالة
2- تمكن الباحث من فهم التغييرات الديناميكية التي يمكن أن تحدث، وتغيير الاستراتيجيات وفقاً لذلك
3- مستوى التحكم في مثل هذا البحث مرتفع، بحيث يمكن للباحث التحكم في متغيرات متعددة
4- أصبح البحث التجريبي حاسماً بالإضافة لكونه معياراً في العديد من المجالات لدعم فرضيتهم واكتساب المزيد من المعرفة
خطوات إجراء البحث التجريبي
نظراً لأن البحث التجريبي يعتمد على المراقبة والتقاط الخبرات، فمن المهم تخطيط خطوات إجراء التجربة وكيفية تحليلها وهذا بدوره سيمكن الباحث من حل المشكلات أو العقبات التي يمكن أن تحدث أثناء التجربة
1- الخطوة الأولى: حدد الغرض من البحث
في هذه الخطوة يتوجب على الباحث أن يجيب عن أسئلة معينة مثل: ما الذي أريد معرفته بالضبط؟، ما هو بيان المشكلة؟، هل هناك أي مشاكل تتعلق بتوفر المعرفة أو البيانات أو الوقت أو الموارد؟، هل سيكون هذا البحث أكثر فائدة مما سيكلف قبل المضي قدماً؟، حيث يجب على الباحث تحديد الغرض من البحث بوضوح ووضع خطة لتنفيذه
2- الخطوة الثانية: دعم النظريات والأدبيات ذات الصلة
يحتاج الباحث إلى معرفة ما إذا كان هناك نظريات يمكن ربطها بمشكلة بحثه، عليه أن يكتشف ما إذا كانت أي نظرية يمكن أن تساعده في دعم نتائجه، حيث تساعد كل أنواع الأدبيات ذات الصلة الباحث في معرفة ما إذا كان هناك آخرون ممن بحثوا في هذا من قبل، أو ما هي المشكلات التي واجهوها أثناء هذا البحث، سيتعين على الباحث أيضاً وضع افتراضات ومعرفة ما إذا كان هناك أي تاريخ فيما يتعلق بمشكلة بحثه
3- الخطوة الثالثة: إنشاء الفرضية والقياس
قبل البدء في البحث الفعلي، يحتاج الباحث إلى تقديم فرضية عمل لنفسه أو تخمين النتيجة المحتملة، يجب على الباحث إعداد المتغيرات وتحديد بيئة البحث ومعرفة كيفية الربط بين المتغيرات، سيحتاج الباحث أيضاً إلى تحديد وحدات القياس، ودرجة الأخطاء المسوح بها، ومعرفة ما إذا كان المقياس المختار مقبولاً من قبل الآخرين.
4- الخطوة الرابعة: المنهجية وتصميم البحث وجمع البيانات
في هذه الخطوة، يتعيّن على الباحث تحديد استراتيجية لإجراء بحثه، عليه أن يجري تجارب لجمع البيانات التي ستمكنه من اقتراح الفرضية، سيقرر الباحث ما إذا كان سيحتاج إلى طريقة تجريبية أو غير تجريبية لإجراء البحث. يختلف نوع التصميم حسب المجال الذي يجري فيه البحث، أخيراً وليس آخراً، سيتعين على الباحث اكتشاف المعلومات التي ستؤثر على صحة تصميم البحث، يجب أن يتم جمع البيانات عن طريق اختبار العينات المناسبة اعتماداً على سؤال البحث، يمكنه استخدام إحدى التقنيات المعتمدة في أخذ العينات العديدة، وبمجرد اكتمال جمع البيانات، سيكون لدى الباحث بينات تجريبية تحتاج إلى تحليل.
5- الخطوة الخامسة: تحليل البيانات والحصول على النتائج
يمكن إجراء تحليل البيانات بطريقتين كمية ونوعية، حيث سيحتاج الباحث إلى معرفة الطريقة النوعية أو الطريقة الكمية المطلوبة أو سيحتاج إلى مزيج من الطريقتين، اعتماداً على تحليل بياناته، سيعرف ما إذا كانت فرضية مدعومة أو مرفوضة، ويعد تحليل هذه البيانات أهم جزء لدعم فرضيته
6- الخطوة السادسة: الاستنتاجات
يجب إعداد تقرير بنتائج البحث، حيث يمكن للباحث أن يعطي النظريات والمؤلفات التي تدعم بحثه، كما ويمكنه تقديم اقتراحات أو توصيات لمزيد من البحث حول موضوعه
دورة منهجية البحث التجريبي: Empirical Research Methodology Cycle
وتتكون من 5 مراحل:
1- الملاحظة Observation
خلال هذه المرحلة تنطلق فكرة لاقتراح فرضية، ويتم خلال هذه المرحلة جمع البيانات التجريبية باستخدام الملاحظة
2- الاستقراء Induction
يتم تنفيذ استدلال استقرائي لتشكيل استنتاج عام من البيانات التي تم جمعها من خلال الملاحظة
3- الاختبار Testing
4- الاختبار: تتضمن هذه المرحلة عودة الباحث إلى الأساليب التجريبية لوضع فرضية قيد الاختبار، يحتاج الباحث الآن إلى فهم بياناته، وبالتالي يحتاج إلى استخدام طرق إحصائية لتحديد العلاقة بين المتغيرات.
(على سبيل المثال: إذا اكتشف الباحث أن معظم الأزهار تتفتح بلون مختلف عند تعرضها لدرجة حرارة معينة، بينما لا تتفتح الأزهار الأخرى عندما تختلف درجة الحرارة، فقد وجد دعماً لفرضيته )
5- التقييم Evaluation
التقييم: يتم نسيان هذه المرحلة بشكل عام من قبل معظم الباحثين، ولكنها مهمة للحفاظ على اكتساب المعرفة، يقدم الباحث خلال هذه المرحلة البيانات التي جمعها وحجة الدعم والنتيجة التي توصل إليها، كما يوضح الباحث أيضاً القيود المفروضة على التجربة وفرضيته، ويقترح نصائح لغيره من الباحثين ليتمكنوا من مواصلة البحث وتقديم نتائج جديدة أكثر تعمقاً وتطوراً في المستقبل
نصائح تساعدك في كتابة البحث التجريبي
1- انطلق من فجوات أو ثغرات الدراسات السابقة في إنشاء بحثك التجريبي
2- ابدأ أولاً بكتابة المقدمة/ الدافع، حيث عليك من خلالها توضيح الفرضية/ السؤال البحثي أو المشكلة البحثية التي تحاول معالجتها في بحثك التجريبي وأهداف البحث، وتذكر دائماً أن المقدمة ليست المكان المناسب للمراجعات الأدبية الطويلة، فقط حاول الإضاءة ضمن المقدمة على المشكلة البحثية والقيمة المضافة التي سيقدمها بحثك والنتائج المتوقعة من البحث وميزات هذا البحث عن غيره من الدراسات المشابهة بإيجاز.
3- ناقش ضمن فقرة الدراسة المرجعية الدراسات المشابهة لبحثك وحاول أن تختار دوماً أحدث المراجع والدراسات وتلك التي تستخدم نفس أسلوبك، ولا تنسى أن تنوه عن الاستراتيجيات الجديدة التي ستوظفها في بحثك، أو إن كانت نتائجك ذات صلة بمجتمع أو مؤسسة وأن ذلك سيكون السبب في اختلاف نتائجك عن غيرك.
4- حدد ضمن منهجية البحث كلاً من كمية البيانات، الفترة الزمنية اللازمة للدراسة، ومتغيرات الدراسة. من المهم أن تكون العينة حديثة (أي تنتهي بنفس سنة البحث )
5- عليك أن تشرح ضمن فقرة مواد وطرائق البحث، أدوات ومواد وطرائق البحث بالتفصيل (ذكر اسم الشركة المصنعة للجهاز أو المادة المستخدمة – المصدر) ليتمكن الباحث الذي يقرأ بحثك من إعادته بنفس الطريقة للحصول على أقرب ما يمكن من نتائجك.
6- لا تنسى ذكر نوع التحليل الإحصائي الذي ستقوم من خلاله بتحليل نتائجك. اطلع على مقال أهم برمجيات القسم التطبيقي من هنا.
7- حاول ترتيب نتائجك واستعراضها بالشكل المناسب وبطريقة تدعم حجتك البحثية
8- الرسوم البيانية تساوي ألف كلمة، لذا فكر دائما بالطريقة المقنعة والأكثر وضوحاً لعرض النتائج في رسم بياني، حيث تعد هذه الطريقة مقنعة جداً وتظهر للقارئ أنك وجدت شيئاً حقيقياً، وتجنب عرض نفس النتيجة بأكثر من شكل ( كأن تظهر نتيجة ما على شكل جدول ورسم بياني معاً)
9- قارن نتائجك مع نتائج الآخرين ولا تقلق حيال الاختلاف، طالما أن أساليبك سليمة، وناقش بمنطقية سبب هذا الاختلاف
10- بحثك مهم طالما أنك اتبعت المنهج الصحيح واستوفيت شروط الأمانة العلمية، سواء أكانت نتائجك إيجابية أو سلبية، حيث تعد النتيجة السلبية أيضاً مهمة كونها تختصر الطريق على غيرك من الباحثين من نفس مجالك ليختاروا منهجاً جديداً مختلفاً للحصول على نتائج إيجابية.
أخيراً… تبقى المناهج التجريبية للأبحاث العلمية الإطار الأشمل الذي يتم من خلاله التحقق من صحة الفرضيات والنظريات العلمية والتي يتم من خلالها إضافة حقائق علمية لبنك العلوم كل يوم بعد معالجة البيانات وإثبات صحتها، والمقال أعلاه سيمهد لك الطريق عزيزي الباحث لفهم ماهية المنهج التجريبي واتباع الخطوات العلمية الصحيحة لتنفيذ البحث العلمي وفقاُ له.