نتعرض يوميًا للعديد من المشاكل والمواقف التي توجب علينا التوقف لتقييمها وحلها، ونواجه تحديًا لنتمكن من فهم وجهات النظر والآراء المختلفة حول كل منها. مما لا شك فيه، كون معظم مخزوننا المعرفي وطرق تفكيرنا مبنية على تجارب ومواقف سابقة مماثلة لما نمر فيه. مع ذلك، فإن هذا لا يضمن لنا إيجاد حلول أفضل لمشاكلنا، إذ يمكن لعواطفنا أو غيرها من الأمور الخارجية المحيطة التأثير على قراراتنا النهائية. من هنا تأتي أهمية التفكير النقدي، والذي يهدف للوصول إلى طرق تفكير عقلانية ومنفتحة بالاعتماد على المعلومات والأدلة المتاحة لدينا.
ما هي مهارة التفكير النقدي
يعد التفكير النقدي أحد أنواع التفكير المعتمد على طرح الأسئلة والقدرة على تحليل وتقييم ونقد ما تقرأه أو تسمعه أو تقوله أو تكتبه. يأتي مصلح النقدي “Critical” من الكلمة اليونانية “Kritikos” والتي تعني “القدرة على الحكم والتمييز”. إذ يعتمد التفكير النقدي الجيد على إصدار أحكام مدروسة بناءً على معلومات موثوقة.
وعلى عكس ما يعتقده البعض، لا يعني تطبيق التفكير النقدي في حياتك اليومية كونك شخص سلبي أو تركز على العيوب. بل يعني قدرتك على توضيح أفكارك وفهمها لتتمكن من دراسة أي مشكلة تواجهك من مختلف أبعادها وتفسيرها للوصول إلى قرار أو حكم مستنير حولها. إذ تميل عملية التفكير النقدي لمساعدتنا في الحكم على المواقف وتقييمها بناءً على فهمنا للمعلومات المتعلقة بها وتحليل المشاكل بشكل واضح لاختيار الحل الأنسب واتخاذ الإجراءات اللازمة تبعًا لهذا الحل.
أهمية التفكير النقدي
تمنع عملية التفكير النقدي عقولنا من القفز مباشرًة إلى الاستنتاجات. عوضًا عن ذلك، يمكننا توجيه عقولنا عبر عدد من الخطوات المنطقية التي تميل إلى توسيع نطاق تفكيرنا وتنحية تحيزاتنا الشخصية جانبًا والتفكير في مختلف وجهات النظر والاحتمالات الممكنة. بالتالي، تمكننا من تحديد التناقضات والأخطاء في التفكير وتجنبها عبر فهم الروابط ما بين الأفكار المختلفة وتحديد مصداقيتها لنتمكن أخيرًا من تبرير مختلف الحجج والافتراضات.
خطوات التفكير النقدي:
يمكن ممارسة مهارة التفكير النقدي عبر ست خطوات ، تتضمن:
1. المعرفة
تضعنا الرؤية الواضحة لكل مشكلة تواجهنا على الطريق الصحيح نحو إيجاد الحل الأنسب لها، إذ تحدد هذه الخطوة المشكلة التي نحتاج إلى معالجتها. يمكننا التعرف على المشكلة التي تواجهنا عبر طرح أسئلة حولها، إذ قد نتفاجئ في بعض الأحيان بعدم وجود مشكلة فعلية أساسًا، بالتالي نتوقف عند هذه الخطوة بدون المضي قدمًا في تفكيرنا. يفضل اللجوء إلى الأسئلة المفتوحة خلال هذه الخطوة، ويجب الإجابة على سؤالين أساسيين هنا، ما هي المشكلة؟ لماذا نحتاج إلى حلها؟
2. الفهم
فور تحديد المشكلة، تكمن الخطوة الثانية في فهم الموقف الذي تعرضنا له وإدراك الحقائق واستيعابها للوصول إلى الحل الأنسب لمشكلتنا.
3. التطبيق
تتمثل هذه الخطوة في استكمال جمع الحقائق والمعلومات المرتبطة بالموقف، يمكننا اللجوء إلى الخرائط الذهنية لتحليل المشكلة وبناء علاقة بين الموقف الذي يواجهنا والمشكلة الأساسية لنتمكن من المضي قدمًا.
4. التحليل
بمجرد جمع المعلومات اللازمة وإيجاد الرابط بينها، يبدأ تحليل الموقف لتحديد نقاط الضعف والقوة ضمنه ومعرفة التحديات التي تواجهنا خلال حل المشكلة. من الأدوات المستخدمة بشكل كبير لتحليل المشكلة والظروف المحيطة بها هو مخطط السبب والنتيجة والذي يقسم المشكلة إلى أسباب ويهدف إلى تحديد أهم الأسباب الكامنة وراءها وتصنيفها بناءً على نوعها وأثرها على المشكلة التي تواجهنا.
5. التجميع
في هذه المرحلة، وبمجرد الانتهاء من تحليل المشكلة وجمع المعلومات المتعلقة بها والنظر فيها، ينبغي اتخاذ القرار حول كيفية حلها وماهية الطرق الأولية اللازم اتباعها لبدء التنفيذ. في حال وجود العديد من الحلول، حاولوا البدأ بأكثرها فائدة وترتيبها تبعًا لذلك.
6. إيجاد الحل المناسب والتنفيذ
تكمن الخطوة الأخيرة في بناء تقييم قابل للتنفيذ حول المشكلة، إذ ينبغي علينا هنا تحويل تفكيرنا النقدي إلى خطوات عملية. يمكن اللجوء في هذه الخطوة لوضع خطة واضحة للخطوات اللازمة والاستعانة بفريق عمل في حال لزم الأمر.
بعض تقنيات التفكير النقدي
تختلف المهارات والتقنيات المتبعة لممارسة التفكير النقدي من شخص لآخر، ويأتي ضمن أهمها كل من:
- التساؤل
التساؤل الدائم عن مصداقية وموثوقية ما نسمعه أو نقرأه أو نراه، أو معرفة الهدف الكامن وراءه. حاول البحث عن الحقائق خلف المعلومات عوضًا عن قبولها دون أي تساؤلات أو تفكير.
- التحليل المنطقي
أفحص المعلومات والأفكار بشكل واعي وبعناية، وحاوط بكافة الجوانب لتتمكن من رؤية الصورة الكاملة عبر التفكير بشكل عقلاني بكل عنصر ضمنها ومناقشته على حدى ومن ثم محاولة الربط بين هذه العناصر أو الأفكار.
التقييم
من خلال إدراك عيوب التفكير ومحاولة تجنبها، وتركيز التفكير على مضمون ما أسمعه أو أراه أو أقرأه عوضًا عن الاكتفاء بالصورة السطحية. يمكنك تقييم المواقف أو المشاكل التي تواجهك عبر مقارنة وجهات النظر والحجج المختلفة والإشارة إلى نقاط القوة والضعف في كل منها.
- التركيب أو التوليف
استخدم العقل والمنطق لصياغة الحجج والاستنتاجات التي توصلت إليها. أدعم استنتاجاتي عبر استخدام أدلة قوية معتمدة على التحليل والتقييم وبالتالي أضمن إلمامي بالصورة الكاملة للمشكلة وصياغة أحكامي وقراراتي اعتمادًا على التفكير العقلاني.
نصائح لتحسين مهارة التفكير النقدي
- فكّر بما تريده بالضبط
تكمن أولى خطوات التفكير النقدي بمعرفة ما ترغب بفعله حقًا. أسأل نفسك، ماذا أريد؟ ما الهدف أو الغرض الذي أطمح لتحقيقه من القرار الذي سأتخذه؟ لن تتمكن من اتخاذ قرارك الصحيح قبل الإجابة عن هذه الأسئلة.
- تعامل مع تحيزاتك دون تحيز
غالبًأ نكتفي بالتفكير بموضوع ما وفقًا لمنظورنا عندما تواجهنا أي مشكلة. يساعدك التفكير النقدي على رؤية الموضوع من وجهة نظر شخص آخر وبالتالي يعمّق من فهمك للموقف ويمنحك صورة أوضح عن الوضع القائم.
- فكّر بعواقب اختياراتك
كل خيار من خياراتنا ينعكس بشكل أو بآخر علينا، أو ربما على الآخرين المشمولين بقرارنا أو الموقف الذي نتعرض له. تقييمك للعواقب المحتملة لكل قرار واختيار الأفضل بينها بساعدك على الحد من الآثار السلبية والتبعات المترتبة عليه. أفضل طريقة لذلك تتمثل في كتابة قائمة بالإيجابيات والسلبيات لتتمكن من التفكير بكل خيار من مختلف النواحي الإيجابية والسلبية وبالنهاية اتخاذ القرار الأفضل.
- ابحث جيدًا
بالتأكيد سمعنا جميعًا عبارة المعرفة قوة. مع ذلك، يميل الكثير من الأشخاص للاعتماد على ما يعرفونه مسبقًا ويترددون في التخلي عن بعض معتقداتهم أو حتى التأكد من صحتها.
- تقبل حقيقة أنك لست على حق دائمًا
قد يكون ذلك أصعب مما يبدو عليه، لا بأس من ارتكاب بعض الأخطاء فنحن جميعًا معرضون لذلك، إلا أن البعض يرفض هذه الحقيقة بالشكل الذي يعيق قدرته على التفكير النقدي. تحقق دائمًا من صحة قراراتك قبل اتخاذها، وفكر في الخيارات الجديدة واعتبر أخطائك السابقة فرص للتعلم والنمو.
- لا تبالغ في تعقيد الأمور
قد يقع الكثير منا في فخ تعقيد الأمور بشكل غير واعي. إذ وعلى الرغم من ضرورة التفكير مليًا، إلا أن الإفراط في التفكير يقودنا إلى تعقيد مشكلة قد تكون أبسط بكثير مما نتوقع، ينبغي عليك اكتشاف الخط الفاصل بين التفكير النقدي الإيجابي والتفكير الزائد.
صفات الشخص ذو التفكير النقدي
يتسم الشخص ذو التفكير النقدي بعدد من الصفات والتي قد تزيد أو تنقص عند البعض، إلا أن أهمها تتلخص في كل مما يلي:
- الفضول وحب الاستطلاع
- القدرة على تقبل الآراء المختلفة
- الثقة بالنفس والانضباط الذاتي
- عدم إطلاق الأحكام الشخصية وتجنب التحيز
- مرونة التفكير وإيجاد الحلول البديلة
- القدرة على الإنصات للآخرين ومحاولة فهم وجهات نظرهم
- امتلاك مهارات الحوار
- التواضع وعدم التعصب للآراء أو المعتقدات الشخصية