كان هناك مجموعة من الأصدقاء يمشون في شارع يحوي على أربعة مطاعم وكلها مزدحمة بالزبائن، فاقترح أحدهم أن يقوموا بفتح مطعم وبالتأكيد سوف يكون رابحاً كهذه المطاعم. من منا لا يحلم بالسفر وخاصة إذا سمعنا أو عرفنا أحداً ما أو مجموعة من الناس سافروا وحققوا نجاحاً كبيراً. سمعنا عن عدد من الأشخاص الذين تركوا دراستهم وبدؤوا بالعمل ثم أصبحوا أغنياء أمثال ستيف جوبز وبيل غيتس وغيرهم. نعم، كل هذه الأمثلة موجودة ولكنها تمثل الاستثناء بأغلب الحالات وليس القاعدة دائماً، فصحيح أن هذه المطاعم الأربعة ناجحة، ولكن قبلها تم فتح عشرات المطاعم التي فشلت، وليس كل من يترك بلده ويسافر يحقق نجاحاً بل يوجد أكثر منهم بكثير من فشل فشلاً ذريعاً وعاد إلى بلاده بخفي حنين، وليس كل من يترك تعليمه يصبح غنياً بل منهم الكثير قد أفلس وأصبح أكثر فقراً. هذه المغالطة تسمى مغالطة الانحياز للبقاء Survivorship Bias.
ما هي مغالطة الانحياز للبقاء؟
تحدث هذه المغالطة عند التركيز على الأمور التي “نجت” أو نجحت وتجاهل أو غض البصر عمن “فشل” وذلك لعدم ظهورهم.
هل تعلم من هو أبراهام والد؟ وكيف كان لعدم تأثره بمغالطة الانحياز للبقاء دور كبير في نجاة العديد من الطائرات أثناء الحرب العالمية الثانية؟
أبراهام والد هو إحصائي وعالم رياضيات وكان عضواً في مجموعة البحوث الإحصائية أثناء الحرب العالمية الثانية ومن أشهر تطبيقاته الإحصائية هي اكتشافه للأماكن المناسبة لتدريع الطائرات الناجية من صواريخ العدو. فعند دراسة الطائرات المتضررة العائدة من مهماتها، أجرى باحثون في مركز التحليلات البحرية دراسات عليها وأوصوا بإضافة دروع واقية إلى الأماكن التي تم إلحاق الضرر بها – وذلك لاستحالة تدريع الطائرة بالكامل كي لا يثقل وزنها وتصبح غير قادرة على إنجاز مهماتها- لكن والداً كان له رأي مخالف، وارتأى بوضع هذه الدروع على الأماكن التي لم تصب فيها الطائرات الناجية وذلك بعدما لاحظ أن الدراسة لم تشمل الطائرات التي لم تعد، إذ إن هذه الطائرات التي شملتها الدراسة عادت بأمان بعدما قُصفَت، فلماذا لم تسقط؟ إذاً فإن الطائرات التي سقطت، قد قُصفت في أماكن أخرى من جسم الطائرة غير الأماكن التي ضربت بها الطائرات الناجية. وهنا لم يركز أبراهام والد على من نجا، إنما ركز على لم ينج وهذا ما حافظ على حياة العديد من الطائرات بعد ذلك.
فكما نجشع دائماً على قراءة قصص نجاح الأشخاص والاستلهام منها، كذلك يجب علينا قراءة قصص الفشل حتى لا تغرنا الأوهام دائماً ولا ننخدع بما هو ظاهر بل يجب علينا البحث عن أسباب كل من وما فشل لكي نتجنبه بعد ذلك.