كان يا مكان….. رجل كان يعمل برتبة مقدم في القوات الجوية الأمريكية، وبعد تقاعده تم استقطابه للعمل كمدير تنفيذي في شركة فورد الأمريكية للسيارات Ford Motor Company ضمن مجموعة تضمنت عشرة أشخاص من محاربي القوات الجوية الأمريكية القدامى وأطلق على هذه المجموعة اسم “ويز كيدز”.
قامت هذه المجموعة بما فيها هذا الرجل بالمساعدة على إصلاح شركة فورد آنذاك، عبر مراقبة العمليات الإحصائية الكمية أي تم اتخاذ القرارات اعتماداً على الأرقام والإحصائيات وقد كان هذا ناجحاً.
لاحقاً تم تعيين هذا الرجل وزيراً للدفاع في حكومة الرئيس الأمريكي المنتخب حديثاً آنذاك جورج كينيدي، وأضحى مستشاراً مقرباً من الرئيس وتم تعيينه كمهندس لحرب فيتنام. هذا الرجل صاحب قصتنا اليوم هو “روبرت ماك نامارا” والذي سميت المغالطة محور حديثنا باسمه.
قام ماك نامارا بإدارة حرب فيتنام كما كان يدير شركة فورد واعتمد على مقياس واحد فقط كمقياس لنجاح الحرب وهو القياس الإحصائي أو الكمي أي كان مقياس ماك نامارا للنصر هو عدد جثث قتلى العدو أي عدد قتلى الفيتناميين متجاهلاً جميع العوامل الأخرى كحرب الشوارع التي قام بها الفيتناميون والذين هم السكان الأصليون للبلد، ورأي الشعب الفيتنامي بالحرب وتداعيات الحرب وغيرها الكثير. قد تكون هذه الطريقة التي اتبعها ماك نامارا أي اتخاذ القرارات بناءً على الأرقام، ناجحة على مستوى شركة فورد ،ولكنها كانت كارثية لأمريكا في حرب فيتنام والتي انتهت بهزيمة الأمريكان شر هزيمة، لأنه وعلى الرغم من العدد الكبير من القتلى الفيتناميين، لكن أمريكا مانت تخسر العديد من المواقع الجغرافية اللوجستية التي احتلتها سابقاً في فيتنام، وهذا يعد عاملاً مهماً في الحروب وهو ما أغفله أو تجاهله ماك نامارا.
ما هي مغالطة ماك نامارا؟
تقوم مغالطة ماك نامارا McNamara Fallacy أو ما تسمى “المغالطة الكمية” على عدة عوامل: قياس ما يمكن قياسه بسهولة، تجاهل ما لا يمكن قياسه بسهولة إذاً فهو غير مهم وبالتالي غير موجود فيغيب عن البال وتبقى فقط المقاييس الكمية المحدودة وهذا ما يؤدي إلى الفشل.
يوجد أمثلة كثيرة في حياتنا العملية عن هذه المغالطة وأهمها وأكثرها على مستوى الشركات الكبرى في مناقشة المواضيع المختلفة واتخاذ القرارات المعتمدة على الإحصائيات متجاهلة المعلومات والعوامل الأخرى،فقد تكون أرقام مبيعات شركة ما قد ازدادت ولكن هذا لا ينعكس بالضرورة إيجابياً عليها فقد تكون زيادة المبيعات بسبب تخفيض الأسعار مثلاً أو خسارة جزء من حصتها السوقية وهذا ما قد يحقق أرباحاً للشركة ولكن على حساب شيء آخر يجب أخذه أيضاً بعين الاعتبار. مثال آخر في عام 2021 زاد عدد مشتركي نتفلكس وزادت أرباح الشركة ولكن في العام المقبل 2022 قل عدد المشتركين للنصف، هذه الزيادة كانت عائدة للحجر المنزلي بسبب جائحة كورونا وعدم القدرة على الخروج ولكن بعد انحسار الجائحة وعودة الحياة الطبيعية لم يعد هناك حاجة لمشاهدة نتفلكس كما في السابق، وكذلك يمكن أن يكون هذا الانحسار في عدد المشتركين عائداً لوجود منصات جديدة أخرى منافسة يقوم الناس بالاشتراك بها تقدم محتوى قد يكون مشابهاً أو أفضل من نتفلكس.
وكذلك في حياتنا الدراسية إذ إن الطريقة الوحيدة المعتمدة في المدارس لقياس قدرة الطلاب هي الامتحان الورقي النهائي الموحد لجميع الطلاب متناسيين أن لكل شخص ولكل طالب شخصية وهوية وأسلوب واهتمامات مختلفة وقد لا يكون ناجحاً في الامتحان على الورق ولا يُحصِّل على الدرجات المطلوبة، ولكنه يكون مبدعاً في أشياء أخرى. كذلك الموظفون في الشركات، قد يكون أحدهم مبدعاً في إعطاء حلول لتطوير العمل وغيره متألقاً في أشياء أخرى تخدم تطور الشركة ولكننا في نهاية المطاف نتجه ونعطي أهمية فقط لمن يحترم مواعيد العمل ويقوم بعمله دون زيادة أو نقصان. صحيح أن هذه الأشياء ضرورية ولكنها في نهاية الأمر تسير بمسار واحد ولا تؤدي إلى التطور في العمل لمواكبة حركة التطور السريعة التي نعيشها حالياً.
ختاماً من الواجب علينا الانفتاح على آفاق جديدة والنظر خارج الصندوق إذا ما أردنا النجاح في شيء ما ورؤية الصورة كاملة وليس الجزء اليسير السهل منها فنقع عندها في هذه المغالطة كروبرت ماك نامارا ويقع ما لا نحمد عقباه.