كل الناس تفعل هذا إذاً هذا صحيح، كل الناس تفعل هذا فهذا هو الفعل الأصح، أو كما تُقال بالعامية “كل الناس بتعمل هاد”… مهما تعددت أساليب القول والجمل، فإن الفكرة نفسها، وهو الانسياق وراء أحكام الأكثرية دون تبيان صحة الشيء من خطأه. وهنا سيكون مقالنا اليوم عن مغالطة تعدّ واحدة من أكثر المغالطات شيوعاً وانتشاراً ونراها في حياتنا اليومية وهي مغالطة الاحتكام إلى الأكثرية أو الاحتكام إلى العامة Appeal to Majority / People Fallacy
ما هي مغالطة الاحتكام إلى الأكثرية / العامة Appeal to People/ Majority Fallacy
هي مغالطة منطقية تستند إلى أن اعتقاد كثير من الناس أو أغلبيتهم بصحة حجة ما، فهذه الحجة صحيحة حتى دون وجود دليل على صحتها، وأن اتفاق الناس يُعتبر دليلاً على صحتها حتى أن هذا الاعتقاد قد يصبح تعصباً للفكرة. غالباً ما تقوم هذه المغالطة على استثارة عواطف ومشاعر الناس كما يحدث في الترويج للإعلانات أو في مجال السياسة والدعاية الانتخابية مثلاً.
يوجد ثلاثة أنواع لهذه المغالطة:
منهج عربة الفرقة الموسيقية Bandwagon Approach
وهنا المقصود به هو الميل “الغريزي” عند البشر بالانضواء مع الجماعة، أي الافتراض بأن نهجاً أو مساراً أو فكرة معينة صحيحة أو بكونها الخيار الأفضل، بمجرد كون أغلبية الناس يعتقدون بصحتها أو يؤمنون بها وهو النوع الأكثر شيوعاً لهذه المغالطة.
تعود تسمية عربة الفرقة الموسيقية لكون المرشحين فيما مضى كانوا يستقلون عربات كبيرة تتسع لفرقة موسيقية، للترويج لحملاتهم الانتخابية، ويجوبون بها المدن، ومن يؤيد هذا المرشح ويدعمه يقوم باعتلاء العربة أو ركوبها، ومن هنا أيضاً جاء مصطلح “انضم للفرقة” أو “هلمَّ إلى العربة” للتعبير عن التأييد للفكرة بحكم شعبيتها.
مثال : اعتقاد الناس قديماً بأن الأرض مسطحة ومحاربة كل من يعتقد خلاف ذلك، كغاليلة غاليلي الذي قدم البينات على كروية الأرض لكنه حورب وأُعدم فقط لأنه خرج عن رأي الأكثرية، وتمَّ لاحقاً إثبات أن الأرض ليست مسطحة بل هي كروية.
اعتقد الناس قديماً أن الصرع هو روح شريرة تتلبس الإنسان، لكن تبين لاحقاً وبالدليل العلمي أن الصرع مرض عصبي ناشئ عن اضطراب النشاط الكهربي في الدماغ.
منهج الوطنية Patriotic Approach أو التلويح بالعلم Flag Waving
أي اعتبار أن موقفاً معيناً صحيح لأنه وطني، ومن ينافي ذلك يكون غير وطني. ويندرج تحت هذا النوع التلويح بأي راية: سياسية، دينية، وذهبية… ويستخدم مصطلحات وطنية مثيرة للعواطف والمشاعر كالأمة وتراب الوطن وغيرها.
منهج التكبُّر Snob Approach
وهنا لا يتم اعتماد أن “الجميع يفعل ذلك” بل إن “أفضل الناس وأنجحهم أو نخبة المجتمع تفعل ذلك، إذاً هو الأصح”. مثلاً: الفنانة الفلانية تروج وتضع من هذا العطر، إذاً لابدَّ أنه رائع وسيجعلني جميلة مثلها.
ختاماً، لا يمكن الجزم المطلق أن فكرة ما غير صحيحة إذا كان أغلبية الناس لا يؤمنون بصحتها، ولا يمكن القول إن حجة ما صحيحة بمجرد حصولها على تأييد الأغلبية، بل يجب في كل الأحوال إحكام العقل والمنطق والابتعاد عن سياسة “القطيع” وعدم الانجرار وراء أفكار ومعتقدات قد لا نؤمن نحن بها ولكن نقول في أنفسنا “لا يمكن أن أكون أنا فقط على صواب وبقية الناس على خطأ، حتماً أنا الذي على خطأ” … لا يا صديقي فقد تكون أنت هو الذي على صواب وباقي الناس على خطأ، وهذا لا يعني أن نتعصب لأفكارنا فقد نكون على خطأ… فالأفضل تبيان صحة الحجة من عدمها بشكل عقلي ومنطقي قبل الحكم المسبق عليها.