كثيراً ما نسمع نصائح من أشخاص نعرف يقيناً أنهم أنفسهم لا يطبقوها، فمن الدارج في هذه الحالة سماع جمل مثل “انظر من الذي يتكلم”، “أنت تفعل ذلك أيضاً”، “من بيته من زجاج لا يرمي الناس بالحجارة”… وغيرها. كالطبيب الذي ينصح الآخرين بعدم التدخين، لكنه أصلاً مدخن. على الرغم من أن مثل هذه المواقف مألوفة جداً في حياتنا اليومية لدرجة أننا نحسها عادية جداً، لكنها في الحقيقة إحدى المغالطات المنطقية واسعة الانتشار، وتدعى “مغالطة وأنت كذلك You, too”.
ما هي مغالطة وأنت كذلك (You, too)؟
وتدعى باللاتينية (Tu quoque)، وهي إحدى مغالطات الشخصنة (Ad Hominem). وهنا في مغالطة وأنت كذلك، يتم النظر إلى سلوك الشخص ومدى التوافق بين الشخص وآرائه وكلامه، دون النظر وتقييم الأدلة والأسباب.
تعتبر هذه المغالطة مغالطة خادعة؛ لأن الحجة لا يتم تقييمها تبعاً لمدى مصداقية قائلها أو نفاقه، إنما تبعاً لذاتها ودرجة صحتها بالعقل.
غالباً ما نرى هذه المغالطة في المجال السياسي، حين يرمي أحد الأطراف اتهاماً في شخصية طرف آخر، ويرد عليه هذا الآخر قائلاً “وأنت كذلك”!!
نسمع في الأخبار انفجاراً حدث في مكان ما، فيبدي أحد الأشخاص تضامنه وتعاطفه مع سكان هذا البلد، ليقفز آخرون ويقولون له: وماذا عن البلد الفلاني؟ وماذا عن بلدنا نحن؟ لماذا لم تبدِ كل هذا التعاطف؟
نتكلم هنا في مثالنا السابق عن مغالطة منطقية أخرى تدعى مغالطة “ماذا عن؟” (Whataboutism)، وهي شكل من أشكال مغالطة “وأنت كذلك” من حيث التشكيك بالشخص ومصداقيته، بدلاً عن معالجة الحجة منطقياً، وكذلك تعتبر شكلاً من أشكال مغالطة “الرنجة الحمراء” (Red Herring) بكونها تعتمد على تشتيت الانتباه حيال موضوع الحجة وصرفه إلى موضوع آخر.