بدءًا من الاستنساخ إلى التحليل والاختبارات المخبرية وصولًا إلى البيولوجيا التركيبية وغيرها، تغيرت الهندسة الوراثية Genetic Engineering على مر السنين هادفًة إلى الوصول لفهم أكبر وإمكانيات طبية وحيوية أكثر تطورًا. نقدم في مقالنا تعريفًا لمفهوم الهندسة الوراثية، ونجيب عن مختلف تساؤلاتكم حول هذا الموضوع، بما في ذلك إيجابيات الهندسة الوراثية وسلبياتها وأبرز تطبيقات هذا المجال.
ما هي الهندسة الوراثية
الهندسة الوراثية Genetic engineering (أو ما يعرف أيضًا بالتعديل الجيني Genetic modification)، عبارة عن عملية يُستخدم خلالها تقنيات مخبرية بهدف التعديل على تركيبة الحمض النووي DNA للكائنات الحية بما في ذلك البكتيريا والنبات والحيوان وصولًا للإنسان. قد يتضمن هذا التعديل تغيير في أحد الأزواج القاعدية للحمض النووي أو حذف منطقة منه أو إضافة أجزاء جديدة إليه. على سبيل المثال، يمكن من خلال الهندسة الوراثية إضافة جين من أحد أنواع الكائنات الحية إلى كائن من نوع مختلف لإنتاج صفة مرغوبة لدى الأخير.
أبرز تطبيقات الهندسة الوراثية
طورت الهندسة الوراثية من فهمنا للعديد من الجوانب النظرية والعملية الخاصة بوظائف الجينات وطرق تنظيمها. ويأتي ضمن أبرز تطبيقات الهندسة الوراثية كل مما يلي:
معالجة الأمراض والحد منها
يمكن القضاء على عدد من أكثر الأمراض فتكًا وصعوبة في العالم من خلال الهندسة الوراثية. إذ توجد عدد من الطفرات الجينية التي يعاني منها البشر، والتي لن تنتهي أبدًا دون اللجوء إلى الهندسة الوراثية لضبطها وتمكين الجيل القادم من تحمل هذه المشاكل. على سبيل المثال، تم عبر تقنيات الهندسة الوراثية تخليق بروتين أنسولين مشابه للإنسولين البشري بدءًا من البكتيريا والعفن، والذي ساهم في ضبط مرض السكري من النمط الأول.
معالجة الأمراض لدى الأجنة والأطفال حديثي الولادة
توجد العديد من الأمراض والاضطرابات الممكن كشفها قبل ولادة الطفل. خلال مرحلة الحمل، يمكن اكتشاف إصابة الجنين بمتلازمة داون أو فقر الدم المنجلي على سبيل المثال. شملت إحدى فوائد الهندسة الوراثية الرئيسية مساعدتها في علاج عدد كبير من هذه الأمراض خلال المرحلة الجنينية، ومن ثم تقليل نسب الإجهاض أو الولادات لأطفال مصابين.
إنتاج أغذية جديدة
لا تقتصر فوائد الهندسة الوراثية على البشر فحسب، بل يمكن استخدامها في إنتاج أطعمة قادرة على تحمل درجات الحرارة القاسية (كالبرودة الشديدة أو الحرارة المرتفعة) وبالوقت نفسه تحتوي مختلف العناصر الغذائية الضرورية للإنسان والحيوان.
كائنات حية بخصائص منتقاة
من خلال الهندسة الوراثية، يمكن التعديل على الكائنات الحية لإظهار بعض الصفات المرغوبة لديها. على سبيل المثال، تم التعديل على جينات بعض الأشجار لتكون قادرة على امتصاص كميات أكبر من ثاني أكسيد الكربون وتقليل خطر الاحتباس الحراري.
مقاومة الآفات والأمراض
يتم التعديل على جينات النباتات والحيوانات لمساعدتها على مقاومة الآفات والأمراض والعيش لفترات أطول. ومن خلال تعديلها وراثيًا، تقل حاجتها للمواد الكيميائية الضارة والمبيدات الحشرية التي من شأنها إتلافها والإضرار بالبيئة المحيطة.
نمو أسرع للنباتات والحيوانات
يمكن عبر تطبيقات الهندسة الوراثية زيادة معدل النمو لدى الحيوانات والنباتات وراثيًا لتنضج بشكل أسرع. كما يمكن التعديل على المحاصيل الزراعية لتتمكن من البقاء على قيد الحياة والنمو ضمن ظروف غير ملائمة من ناحية الحرارة المرتفعة والإضاءة الضعيفة، عدا عن استخدامها أيضًا في إكثار المحاصيل.
إضافًة لما سبق، يتم التعديل على جينات بعض الحيوانات لتحسين إنتاجها. على سبيل المثال، التعديل على الأبقار لإعطاء كميات أكبر من الحليب أو الأغنام بهدف نمو صوفها بشكل أسرع.
مخاطر الهندسة الوراثية
على الرغم من أهميتها وتطبيقاتها الواسعة، لا يخلو الأمر من وجود عدد من المشاكل التي تواجه الهندسة الوراثية، والتي تتضمن كلًا مما يلي:
قيمة غذائية أقل للأطعمة
عندما تنمو الحيوانات أو النباتات وتنضج بسرعة، قد تنخفض قيمة منتجاتها الغذائية. يلاحظ ذلك بشكل واضح في منتجات الدواجن اليوم، والتي تزداد نسبة الدهون ضمنها بشكل كبير مع انخفاض في مستوى البروتين الذي تحتويه.
تكيّف العوامل الممرضة مع السمات الجينية الجديدة
قد تخلق الهندسة الوراثية مقاومة طبيعية ضد بعض العوامل الممرضة للنباتات والحيوانات، إلا أن عملية التطور الطبيعي موجهة نحو إيجاد مخارج دائمًا. نتيجًة لذلك، قد تتطور أنواع من البكتيريا مقاومة للمقاومة الناجمة عن تطبيقات الهندسة الوراثية أساسًا مما يؤدي لظهور عوامل ممرضة أكثر مقاومة وأقوى من سابقتها، وهو ما يخلق مخاوف صحية مستقبلًا.
آثار جانبية سلبية غير متوقعة
تهدف الهندسة الوراثية عمومًا لإحداث تغيير، غالبًا ما يكون هذا التغيير إيجابيًا، لينتج أطعمة صحية بشكل أكبر مثلًا. على الرغم من ذلك، قد تكون بعض هذه التغييرات سلبية وغير متوقعة. على سبيل المثال، جعل النباتات أقل تحملًا للجفاف قد يجعلها أقل تحملًا لأشعة الشمس في الوقت نفسه. بعض الحيوانات يتم التعديل عليها جينيًا لإنتاج المزيد من الحليب، إلا أنه في المقابل يصبح عمرها أقصر.
إساءة الاستخدام
حاليًا، تُستخدم الهندسة الوراثية في البشر لعلاج بعض الاضطرابات التي تهدد صحة الأفراد ورفاهيتهم. مع مرور الوقت، قد تتسبب الهندسة الوراثية في تغيير عدد من السمات لدى البشر، كما هو الحال في النباتات والحيوانات، وهو ما ينتج عنه نتائج بشرية مشكوك فيها أخلاقيًا أو قابلة للاستخدام بطرق سيئة.
التلوث
وجد الباحثون أن بقايا النبات المعدل جينيًا يبقى على تربة الحقول لعدة أشهر. نتيجًة لذلك، يتأثر نشاط الميكروبات سلبًا مما يسبب فقدان التربة لخصوبتها.
تراجع الأنواع الطبيعية
نتيجًة لتعديل النباتات جينيًا لتكون أكثر مقاومة للآفات، من المحتمل أن تحل مكان النباتات الأصلية الطبيعية على المدى البعيد. يساهم ذلك في تقليل التنوع الجيني والحد منه مؤديًا للعديد من المشاكل المتعلقة بهذه الظاهرة.