يتجه العالم اليوم نحو الواقع الافتراضي في مختلف مجالات الحياة اليومية، فأصبح التبضُّع والعمل والتعليم يتم من خلال شاشة الهاتف أو الحاسب المحمول، وبينما تتزايد الحاجات والمتطلبات في العالم العربي يلاحظُ التزايد المستمر في عدد المنصات والمواقع الإلكترونية التي تلبي هذه الاحتياجات والمتطلبات.
لكن كيف أصبحت بعض هذه المواقع والمنصات مميزة وبرؤوس أموال ضخمة؟ وكيف أصبحت عدد الزيارات اليومية لهذه المواقع كبيرة؟ وكيف تحول بعض الأشخاص من مستخدمين إلى رواد أعمال وأصحاب مواقع ومنصات تقدم خدمات حقيقية في زمن قياسي ؟
في هذا المقال سنوضح بعض النقاط الهامة ومراحل التطور التي طرأت على أهم المواقع العربية إلى أن أصبحت من أقوى وأهم المواقع في العالم العربي :
1- موقع سوق دوت كوم
عندما بدأ رونالدو مشحور موقعه الخاص بشراء مختلف أنواع المنتجات والدفع إلكترونياً سنة 2005 كان عليه أولاً أن يقنع العديد من الشركات والتجار الأجانب بأهمية وضرورة دخولهم السوق العربية من خلال بيع منتجاتهم باستخدام موقعه، وبالرغم من استهجانهم للفكرة في البداية حيث كان من غير الواضح مدى نجاح فكرته في منطقة لم يسبق لها استخدام الإنترنت كوسيلة لشراء الحاجات اليومية، إلا أنه تدريجياً تمكن من إقناع عدد لا بأس به من الشركات للعمل معه فنظرته المستقبلية للمنطقة العربية كانت تدفعه لمواظبة عمله التسويقي لموقعه وللمستهلك العربي في آن معاً.
في البداية كان يتم بيع بضع منتجات في الأسبوع، وفي نهاية 2009 أصبحت مردودات الموقع حوالي مليون دولار شهرياً، ثم لوحظ ثبات مبيعات الموقع عند نقطة محددة وتوقف تقدمه، وذلك بسبب انتشار التطبيقات الإلكترونية واعتماد المستهلكين على هواتفهم الذكية في طلباتهم لذا كان لابد من إنشاء تطبيق خاص بالموقع ليصبح استخدام التطبيق يشكل 70% من إجمالي عدد الزيارات.
هكذا استمر موقع ’سوق دوت كوم‘ في التطور والنمو إلى أن واجه لاحقاً مشكلة جديدة وهي عدم قدرة الجميع على الدفع الإلكتروني، وكان لابد من التعامل مع البنوك ليتمكن المستهلكون أصحاب الحسابات البنكية من الحصول على بطاقة ائتمانية لدفع حساباتهم، غير أن هذا النوع من الخدمة سيحد من قدرة “سوق” على التوسع لأن ليس كل الأشخاص يمكنهم الحصول على بطاقة ائتمانية، وذلك بحسب كل بنك وقوانينه المتعلقة بسقف الإيداع البنكي الذي يسمح للمستهلك في الحصول على بطاقة دفع ائتمانية لذا كان على “سوق” إيجاد حل سريع قبل أن تسبقه الشركات الأخرى إليه، فتم إنشاء مزود الدفع الخاص بالموقع عن طريق الإنترنت وهو PayFort ليتابع موقع سوق دوت كوم نموه ضمن السوق الإلكترونية العربية ليصبح عدد موظفيه 3000 موظف وبعدد زيارات 10 ملايين زيارة شهرية وبقيمة تقدر ب 1 مليار دولار.
في سنة 2017 قررت شركة Amazon العالمية شراء موقع سوق دوت كوم بقيمة 580 مليون دولار أميركي في صفقة وصفت بأنها الأكبر في عالم ريادة الأعمال الإلكترونية.
2- تجربة أكاديمية حسوب
أطلق عبد المهيمن الآغا منصة أكاديمية حسوب سنة 2011، والتي كان هدفها سد النقص الذي يعاني منه المستخدمون العرب في مجال الخدمات الإلكترونية، نمت شركة حسوب بتمويل ذاتي دون الاعتماد على أي جهة داعمة وقد أصبحت الشركة من أقوى الشركات العربية مؤخراً وحققت إنجازات كبيرة في فترة قياسية!
استهدفت أكاديمية حسوب منذ البداية الفئة الشابة لتقدم لهم الفرص والحلول التي تساعدهم في العمل الحر والتعليم الإلكتروني وريادة الأعمال وغيرها، وذلك من خلال مقالات ودروس مختلفة في عدد من المواضيع المختلفة، وتركز أكاديمية حسوب بشكل أساسي على تعليم البرمجة، إدارة الأعمال والعمل عن بعد وإدارة الخوادم ومجال DevOps، بالإضافة إلى الشهادات المتخصصة وشروحات لاستخدام البرامج والتطبيقات، وهكذا أصبحت أكاديمية حسوب تغطي فعلياً كل ما يحتاج إليه الشباب العربي لتطوير نفسه وباللغة العربية.
وصلت عدد زيارات حسوب إلى أعداد كبيرة سمحت للأكاديمية بالاستفادة من العمل والتجارة عن طريقها والإعلانات الممولة إلى أن تمكنت من طرح منتجات وشراء منصات مستقلة لتصبح تابعة لها ، من أهم منتجاتها اليوم: موقع ’مستقل‘ موقع ’خمسات‘، ’إعلانات حسوب’، ’أكاديمية حسوب‘، ’حسوب l/O‘ .
يبلغ عدد موظفي حسوب 37 شخصاً فقط، بينما تبلغ عدد الزيارات الشهرية 1500,000 شخص.
3- تجربة موقع موضوع
ينشر موقع موضوع مقالات متنوعة باللغة العربية، وقد تأسس سنة 2010 على يد محمد جبر ورامي القواسمي كمبادرة حازت جائزة الملكة رانيا الوطنية للريادة.
هدف موقع موضوع إلى توسيع المحتوى العربي على الإنترنت بسرعة من خلال مكتبته التي تضم أكثر من 140,000 مقال حتى سنة 2018، تشمل المقالات جميع الجوانب المختلفة لأنواع المعرفة الإنسانية، وكلها باللغة العربية وبشكلٍ مبسط ساعد موقع موضوع مستخدمي الإنترنت العرب في جميع أنحاء العالم على فهم العديد من المواضيع الهامة ثقافياً واجتماعياً وحتى علمياً، ثم بدأ ’موضوع‘ رحلته في مجال الذكاء الصنعي، وركز على نحو خاص على منتجات المعالجة الطبيعية للغة العربية القادرة على تغطية كافة اللهجات المتفرعة عن العربية.
تم تمويل موقع موضوع أول مرة سنة 2015 بمبلغ 1,5 مليون دولار نتيجة لعدد الزيارات الهائل على الموقع والمحتوى ذو الجودة العالية. بالإضافة للشراكة الماليّة، عقدت الموسوعة اتِّفاقيَّات شراكة لزيادة المحتوى مع عددٍ من الناشرين والمؤسَّسات التي تقدّم لها محتوى ذات جودة عالية، من تلك المؤسسات كانت جامعة مؤتة، ومركز الملكة رانيا للريادة، وأكاديميّة العالم الإسلاميّ للعلوم، وبوابة المرجع الطبيّ “الطبيّ.كوم”، وموقع القاموس التقنيّ “أرابتيرم.كوم”
في بداية عام 2016 تمّ الإعلان على أنّ موقع “مَوضُوع” هو أوّل موقع عربي في العالم مع ما يُقارب 17 مليون مستخدم، وفي بداية عام 2017 تأسّس قسم الذكاء الاصطناعي لدى “مَوضُوع”، وهو قسم تابع للموقع الذي كانت مهمّته إنشاء مساعد رقمي يتحدث باللغة العربية، ويُجيب عن جميع الأسئلة أو تساؤلات المطروحة عليه. وفي عام 2018، أُعلن أن موقع “مَوضُوع” قد وصل إلى 42 مليون مستخدم فريد شهرياً محقّقاً بذلك معدّل نمو يبلغ حوالي 43٪ مما كان عليه في عام 2016.
كل تجربة من هذه التجارب العربية تعطينا أفكار وطرقاً مختلفة لبناء عمل حقيقي من خلال الإنترنت، ويمكننا تلخيصها كالتالي:
- الفئة المستهدفة مهمة جداً فهي تقوم بتوجيه المشروع وتحديد توجهاته .
- سد الفراغات التي يعانيها المجتمع والمحتوى ذو النوعية الجيدة والهادفة من أقوى أعمدة العمل عن طريق الانترنت .
- الاهتمام بآخر التطورات والتغييرات العصرية شرط أساسي لاستمرار النجاح .
- اختيار فريق أو شركاء بخلفيات علمية وثقافية جيدة ومهتمين حقاً بنجاح المشروع .
- عدم التسرع في اتخاذ القرارات والعمل على بناء دعامات المشروع بشكل متين أولاً.
- انتهاز أي فرصة يمكن أن تطور وتساعد المشروع مستقبلاً