قام أحد المسؤولين بطرح مشروع إلغاء الضرائب بحجة أن هذا سيؤدي إلى انخفاض مستوى الجريمة ومؤيداً حجته بوجود مائة حالة لأمثلة تم فيها إلغاء الضرائب وانخفضت بها معدلات الجريمة، لكنه لم ير المائتي حالة التي ارتفعت بها معدلات الجريمة بعد إلغاء الضرائب المحلية.
كثير من الناس يؤمنون ويصدقون المنجمين بسبب مصادفة حدوث عدد من الأحداث التي تنبؤا بها ويتجاهلون العدد الأكبر من الأحداث التي لم تقع.
هذه الأمثلة وغيرها ما هي إلا أمثلة عما يسمى مغالطة الانحياز التأكيدي أو التأييد دون التفنيد Confirmation Bias Fallacy وهي نوع من أنواع الانحياز الانتقائي Selection Bias في جمع الأدلة.
ما هي مغالطة الانحياز التأكيدي؟
وهي الميل نحو البحث عن وإيجاد أدلة مبرهنة لصحة الحجة أو النظرية Confirm وتجاهل الأدلة -وإن كانت كثيرة- التي تفندها Disconfirm أو عدم الاهتمام بهذه الأدلة.
في مجال الاستدلال الإحصائي، يعد انحياز التأكيد نوعاً من الانحياز المعرفي نحو التأكيد الفرضية موضع الدراسة، ولكن من أجل معادلة هذا الميل البشري، فإن المنهج العلمي تمَّ إنشاؤه بطريقة تُلزم بتفنيد Disconfirmation أو تكذيب Falsification الفرضية، كما هو الحال بمسائل الرياضيات إذ يجب افتراض عدم صحة النظرية في البداية للوصول إلى صحتها.
ويأتي هذا من أن وجود دليل واحد أو حتى أكثر لا يدعم ويؤكد صحة النظرية بالضرورة، لكن وجود دليل واحد فقط يدحضها كافٍ لإثبات عدم صحتها.
مذهب التكذيب Falsificationism
كان (كارل بوبر) رافضاً لفكرة أن المعرفة العلمية تأتي عن طريق تأييد الفرضيات، إذ رأى أن الفرضيات لا تكون جديرة بالقبول ما لم تكن قابلة للدحض أو التكذيب، حيث من السهل إيجاد أدلة على صحة الفرضية سهولة تجعل أن يكون هذا هو طريق العلم الصحيح أمراً مستبعداً.
تفيد دعوى كوبر أن قبول الفرضيات عبر إيجاد أدلة على صحتها سيؤدي بنا إلى قبول عدد لا يمكن إحصاؤه من الفرضيات الكاذبة غير الصحيحة، في حين أن فرضية صامدة أمام عدد من محاولات تكذيبها يمكن القبول بها، لكن ليس لمونها فرضية صحيحة بالضرورة، بل لكونها أفضل فرضية متاحة حتى الآن.
إذاً يا أصدقاء: معيار العلم ليس التأكيد…بل التكذيب.